القائمة الرئيسية

الصفحات

طريق جهنم (الجزء الأول)

 طريــق جهنــم


طريق جهنم

ساندي فتاة جميلة ممشوقة القامة، عينيها واسعة بلون بني فاتح، وشعرها قوي وجميل، أحيانا تتركه حرا على كتفيها، وأحيانا أخرى تربطه، كل من يراها يعجب بها، لكنها مجنونة جدا لم تترك وراءها أحد يبكي عليها أو يعرف مكانها، باعت عمرها وتطوعت ودخلت وسط عصابة جهنم وليس فقط الخطر، أماتت قلبها وجسدها ولم يعد يشغل بالها سوى تحقيق غايتها.

كنت تراها بين أفراد العصابة وكأنها جزء منهم، أو كأنها من نظمها لأنها مع الوقت تقربت من كبارها ومنظميها وأصبحت تجلس معهم وترافقهم في صفقاتهم وسهراتهم حتى تمكنت من رئيسها، الذي أعجبته بصلابتها وجمالها فقربها منه واشترى لها شقة جميلة تقيم بها، كما جعل لها سائق ينقلها إلى أي مكان تريد، شريطة أن تكون له، وفي المساء ترافقه للفندق حيث ينهي صفقاته في السهرات، فأقسمت على قتله وتشتيت منظمته وجعلتهم هدف حياتها.

تراها دائما والسيجارة في فمها، ليس حبا في التدخين ولكن السيجارة في فمها تمنعها من الحديث مع أي كان وتساعدها على النظر عن قرب لكل فرد من العصابة.

فكانت عند عودتها إلى شقتها في بعض الأحيان، تغادر في منتصف الليل، حيث تقتنص بعض أفراد العصابات الذين تتعرف عليهم في السهرات، وتعود إلى شقتها بدون أن يعرفها أحد، وعندما يعثرون عليهم أو يسمعون بمقتلهم لا يهتمون لأنهم يكون لهم أعداء كثر.

لم يكن الرئيس من يخيفها، لأنها تمكنت من معرفته في فترة وجيزة، وهو شخص ضعيف يسيره نائبه، الذي كانت عيناه تلاحقها في كل مكان، وكانت ترى فيهم الرغبة، فلم يجد الطريق إليها لأن الرئيس مفتون بها، لذا قررت أن تبدأ في تنفيذ خطتها حتى ولو انتهت حياتها، لأنها أخذت وقتا طويلا حتى تمكنت من كسب ثقتهم.

كانت هناك حفلة كبيرة يحضرها رؤساء عصابات أخرى، لم تعد تستطيع تحمل ما يعرض في هذه الحفلات،

"هذا كثير ..."،

قالت في نفسها، قبل أن تتوجه إلى الرئيس وهي تدعو ربها أن يساعدها، ترنحت عليه فأمسك بها، فانحنت على أذنه تهمس له أن يأخذها إلى الغرفة بحجة أنها ترغب به من كثرة ما رأت أمامها، أعجبه الأمر كثيرا وخصوصا أنه مفتون بها، استأذن من رفاقه وأخذها، وكان هناك نائبه الذي يراقب عن قرب، دخلوا إلى الغرفة وأغلق الباب، وبدأته في ملاطفته قبل أن تدفعه، صرخ صرخة واحدة وسكت.

كان هناك طاولة زجاجية لها حواف وسط الغرفة، بمجرد أن رأتها تصرفت بسرعة، شابكت قدميها بين رجليه بحيث أفقدته توازنه، فوقع على حافة الطاولة بقوة فدخلت في مؤخرة عنقه، بدأت تصرخ، وبما أن النائب كان قريبا منهم، فقد دخل الغرفة بسرعة ورأى رئيسه على تلك الحالة وساندي تصرخ، فوضع يده على فمها وهو يقول:

"اهدئي...، لا تصرخي ...أخبريني ماذا حدث؟..."

أجابت:

"لقد سقط ... لم أعرف ما أصابه ..."،

قالت ذلك وبدأت في البكاء، فضمها إلى صدره وربت على ظهرها وهو يقول:

"توقفي لا تبكي ... سأجد حلا ..."،

ناد مساعده وطلب منه أن يوصل ساندي إلى بيتها لترتاح، ثم أمسكها من يدها وهو يقول:

"اذهبي إلى البيت لترتاحي...، كل شيء سيكون بخير... أراك بالصباح...".

أومأت له برأسها، ثم رافقت المساعد الذي أوصلها إلى بيتها فذهبت للنوم وهي سعيدة جدا لأنها بدأت في طريقها الذي رسمته.

بقي المساعد معها حتى الصباح، عندما عادت إلى مقر المنظمة وجدت الأمور هادئة، وعندما دخلت على النائب قام لاستقبالها بسعادة:

"كيف حالك ...، عليك تهنئتي لقد أصبحت الرئيس ..."،

ابتسمت له وهي تقول:

"مبروك عليك...".

فقال لها وهو يحضنها بين يديه:

"سنقوم هذا الصباح بدفن الرئيس السابق، وفي المساء ستكون هناك حفلة على شرفي بالفندق ..."،

قبل رأسها ثم عاد يقول:

"ابقي هنا بالمكتب هذا الصباح... لكن ستكونين معي بالحفلة...".

ردت عليه:

"حسنا ...".

طلبت منه سيجارة وجلست بجانبه لتدخنها، وهذا ما تفعله عادة تجنبا لكثرة الحديث.

في المساء رافقته إلى الفندق حيث أقيمت له حفلة اجتمع بها مجموعة من رؤساء العصابات، وكثر فيها السكر والدخان والفتيات، وكانت ساندي تجلس بجانبه وتدخن السجائر وهي تمعن النظر في رؤساء العصابات، وتحفظ وجوههم وتستمع إلى حديثهم وصفقاتهم التي يفتخرون بها بينهم.

انتهت حفلة المساء، كما انتهت حفلات أخرى وهي تراقب وتسجل، وفي الليل تحاربهم وتقتنص منهم، فأفسدت عمليات كثيرة، وقتلت منهم، لكنهم يتكاثرون بسرعة، فإن أزالت أحدا وضعوا مكانه آخر، وأصبحت مع الرئيس الجديد تلبي رغباته كلما رأت هي أنها أكثرت عليه، لأنه كلما رفضته أصر عليها وتعلق بها أكثر، حتى أنه أصبح يغير عليها ويراقب تحركاتها وجعل لها حراسا يرافقونها في كل مكان، ولها الكلمة الأولى بعده، رغم أنها لا تتكلم كثيرا.

وفي يوم كانوا في الفندق كالعادة في طريقهم إلى الحفلة (وهو المكان الذي يديرون فيها كافة الصفقات والحفلات بعيدا عن المنظمة)، وكانت تريد أن تشعل سيجارة ولم ترغب قداحتها في العمل، وإذ بقداحة مشتعلة أمامها، أشعلت سيجارتها ورفعت عينيها فقالت في نفسها:

"من هذا المجنون؟...".

هذا هو ما مر على عقلها ساعتها، لأن من أشعل سيجارتها ليس أحد من أفراد العصابة، ولا أي أحد تعرفه، شكرته وابتعدت وهي تعلم كل العلم أنه لن يعود حيا لبيته، لا أحد أيا كان يتجرأ على الاقتراب منها حتى ولو كان موظفا في الفندق بدون أن يؤدن إليه، وهذا؟! ...

لم تنهي شكرها حتى التفوا من حوله، وتقدم الرئيس وضربه حتى وقع على الأرض:

"من أنت؟ ...وكيف تجرؤ...".

وقف الشاب على قدميه ونظر مباشرة إلى الرئيس وهو يقول:

"أنا لم أفعل شيئا سوى أنني أشعلت السيجارة للآنسة..."

نظر إليه الرئيس جيدا ثم طلب منه الرحيل وعدم الاقتراب منهم مرة أخرى حينها، نظر الشاب لساندي وانحنى احتراما قبل أن يرحل.

حين انتهت الحفلة وعند خروجهم من الفندق وجدته في الشارع، نظر إليها وحياها بعينيه وابتسامة على شفتيه، التفتت إلى الرئيس لترى إن كان قد رآه، لكنه كان يتحدث مع رئيس منظمة أخرى كان أيضا في الحفل ولم ينتبه له، فأسرعت إلى السيارة وهي في حيرة:

 "من هذا ؟ ...وماذا يريد؟ ... ولما ظهر الآن؟ ...".

 هزت رأسها ورفضت أن تشغل بالها به، سيموت كما مات غيره، عليها أن تنتبه لمهمتها ولا تنظر لأحد.

عادت إلى بيتها رفقة الرئيس الذي يقضي بعض الليالي معها لأنه متزوج، اغتسلت، ودخلت الفراش، ورغما عنها وجدت نفسها تتساءل عن من عساه يكون، وفيما يفكر.

فريد شاب وحيد لعائلته، درس جيدا وتخرج، ولأن عائلته بالشرطة، فقد تخرج من كلية الشرطة وأصبح شرطي، ثم مع الوقت تسلق سلم الرتب حتى أصبح عميد شرطة، بمجهوده وكفاءته، لأنه كان مجتهد، ويقضي على الفساد والظلم.

لقد توصل بشكايات كثيرة عن اختفاء الأطفال القاصرين، وهناك من اشتكى عن مجموعة تقوم باختطاف الفتيات، وقد أرسل فريقه للبحث والتقصي، لكن بدون جدوى، حتى توصل برسالة من رؤساءه أن يوقف البحث ويهتم بعمله.

استغرب من فعل الرؤساء، لكنه لم يعارضهم، لأنه علم أنه بدون أي دليل لا يمكنه التحري، لذلك عمد على العمل في الخفاء بدون أن يعلم أحد من رؤساءه، فقد كون فريق خاص به، يعرف كل واحد منهم، وجندهم ليتتبعوا بعض الأشخاص المشكوك فيهم.

وبالفعل توصل بدلائل عنهم تفيد أن بعضهم يجتمعون ويقومون بصفقات لتجارة الأطفال وبيع أعضاءهم، لذلك يسعى من أجل الحصول على الدليل قبل أن يرفع القضية إلى رؤساءه، وقد شك أن هناك أفراد من الشرطة يعملون معهم، فأكد على فريقه السرية التامة.

كان في ذلك اليوم يحوم حول الفندق الذي يجتمع فيه بعض العصابات فانتبه عليها تخرج من السيارة وتتجه إلى الفندق، كانت جميلة جدا، شعر بانجذاب قوي لها، بدون أن يشعر وجد يده تخرج الولاعة ويشعل لها السيجارة، كانت النظرة التي وجهتها له مزيج من الدهشة والقلق، شكرته وأراد أن يتحدث إليها حين فاجأه أحد بلكمة على وجهه أسقطته أرضا، لقد كان الشخص الذي خرج معها من السيارة، كان الغضب يتطاير من عينيه، ثم أمره بالرحيل. أمسكته الفتاة وقادته إلى الداخل، كأنها تمنعه من أذيته، ولحق بهم رجلين.

بقي مكانه مسمرا مدة وهو يفكر في تلك الفتاة وقد سلبت عقله بعينيها الواسعتين الجميلتين، كيف يمكن أن تكون مجرمة، دخل إلى الفندق وجلس في المقهى، شرب كأس قهوة وصورة الفتاة لا تفارق تفكيره، ثم خرج إلى الشارع قبالة الفندق وانتظر هناك لرؤيتها.

رآها تخرج وقد لمحته بعينها، ثم دخلت السيارة برفقة الرجل الذي ضربه والرجلين الآخرين، فلم ينتظر بل ركب سيارته ولحق بهم حتى وصلوا إلى عمارة من أربعة طوابق، نزلت الفتاة والرجل الذي يبدو عليه أنه الرئيس، وقاد الآخران السيارة وذهبوا، بقي هناك حتى رأى الضوء ينير في الطابق الثاني،  ثم رحل.

استمرت الأيام والحفلات، وكانت ساندي تراه حينا داخل استراحة الفندق أو عند ناصية الشارع، ووجدت نفسها تحمد الله على أنه مازال على قيد الحياة، فلقد سبق لبعض الشبان بالتحدث معها فلم تعد تراهم بعد ذلك، وكان الرئيس قد لمح لها أن من ينظر لها سيفقد حياته.

ذات يوم عادت إلى شقتها بعد أن سافر رئيسها في مهمة سرية (وهي الأماكن التي لا يأخذ إليها أحد حتى هي). دخلت غرفتها ورمت جميع ملابسها لأنها كانت تشعر بالنفور من نفسها كل مرة نامت مع الرئيس، دخلت الدش واستحمت جيدا، ثم ارتدت ملابسها وخرجت إلى الشرفة لتستنشق هواءا نقيا، أغمضت عينيها وهي تشعر بهواء الليل على وجهها، فجأة شعرت بيد أحاطتها من الخلف وأخرى وضعت على فمها لكي لا تصرخ، وطلب منها التزام الصمت ووعدها أنه لن يؤذيها، ظن أنها خائفة، لكنه لا يعلم أنها لا تخاف أحدا ولا حتى الموت، أبعدت يده عن فمها، وابتعدت عنه لترى من، فتحت فمها دهشة، لا يمكن:

"أنت؟ ... وكيف دخلت؟ ...".





هدأها وطلب منها أن لا تخاف منه، وأنه لن يؤذيها، لكن ساندي صرخت به:

"أيها الأحمق، أنت من يجب أن يخاف ...".

رن الجرس على الباب فالتفتت، إنه الحارس، لا بد أنه سمع شيئا، نظرت إليه بهدوء وقالت:

"انتظر ...".

اتجهت إلى المطبخ وأحضرت زجاجة شراب ثم ذهبت إلى الباب، وبعد قليل عادت، نظرت إليه وقالت:

"ما زلت هنا؟ ... ماذا تريد؟ ... ألم تخف أن أطلب أحدا؟ ...".

قال بكل ثقة:

"لست خائفا ... أعلم أنك لن تفعلي أمرا كهذا...".

ردت:

"لما؟ ...".

قال:

"لأنني أثق بك ...".

ردت عليه:

"أيها الأحمق، ومن أين جاءتك هذه الثقة؟...".

قال:

"أخبرني قلبي أنك لن تؤذيني ...".

عقدت حاجبيها في استغراب:

"قلبك؟ ...".

 أجاب:

"نعم ... منذ أن رأيتك لم أفكر في شيء سواك وكيف يمكنني أن أكون قريبا منك ...".

نظرت إليه وقالت:

"ارحل... أنت إما مجنون أو أعمى، ألم ترى أين أنا؟ ...".

 رد بكل هدوء:

"بلى رأيت...، وأعرف جيدا في أي وضع أنا،... لكن لا يهمني...، ما يهمني هو رؤيتك...".

كان يتحدث وهو يقترب منها، رفع يده ووضعها على خدها فاضطربت وابتعدت عنه:

"ما الذي يجري؟ ...، ماذا يحدث لكي ساندي؟ ... ".

سألت نفسها وهي تشعر كأنه سيغمى عليها، رفعت يدها ووضعتها حيث كانت يده تحاول أن تخفف من الحرارة التي صعدت إلى وجهها. فصرخت به:

"ارحل...".

نظر إليها وقال:

"لماذا؟ ... اسمحي لي بالبقاء معك قليلا ... لقد فعلت المستحيل كي أكون معك الآن...".

لكنها أصرت:

"ارحل الآن وإلا طلبت لك الحارس...".

قال وهو يعود إلى الشرفة:

"حسنا، لكنني سأعود لرؤيتك...".

لم تتمكن ساندي من النوم طيلة الليل، بقيت تفكر في ذلك المجنون، ولما يفعل كل ذلك. كان قلبها يدق بسرعة وحرارة وجهها مرتفعة كلما فكرت بلمسته كأنها مراهقة. عجبا، لقد عرفت رجالا كثر لمسوها في أماكن كثيرة من جسدها وعلى وجهها أيضا، حتى لم تعد تشعر بشيء من لمساتهم، لكن لم تشعر هكذا؟...

ظل فريد يذهب لرؤيتها كلما سنحت له الفرصة، وقد شغلت تفكيره كثيرا، حتى قرر زيارتها، وقد علم عن طريق فريقه بكل تحركاتهم وعلم أن الرئيس سيكون غائبا في مهمة، وقد أرسل من يتتبعه، بينما هو ذهب لزيارتها، وكانت ردة فعلها غريبة، عندما أمسك بها من الخلف ووضع يده على فمها، ظن أنها ستكون خائفة على نفسها، لكنها كانت قلقة وخائفة عليه، توتر ولم يعرف ما يقول لها، سوى أنه شعر برغبة في لمسها، فمد يده يلمس وجهها الناعم فتوترت ثم ابتعدت، وطلبت منه الرحيل، لم يرغب في الذهاب لكنه فعل لأن عينها كانت ترجوه حتى وإن لم يقل فمها، فتركها ورحل. لكنه قرر ملاحقتها وحمايتها.

في اليوم التالي ذهبت ساندي إلى مقر المنظمة، لأنه كان عليها الاهتمام ببعض الأشغال هناك، وبما أن الرئيس غير موجود، فهي تستغل ذلك في البحث عن أي دلائل تنفعها في مهمتها، وكانت كلما وجدت شيئا ترسله بعيدا حتى لا يكون معها شيء.

عاد الرئيس في وقت متأخر وكانت ساندي تنتظره في الفندق. تقدم وجلس بجانبها وهو يحتضنها:

"اشتقت إليك ...".

قالها وهو يقبل عنقها، أبعد وجهه ونظر إليها:

"لا أستطيع الابتعاد عنك، المرة المقبلة ستذهبين معي ...".

وعاد لاحتضانها، ابتسمت ساندي وقالت:

"حسنا ... كما تريد..".

ثم أخذت سيجارة وأشعلتها حتى لا تستمر في الحديث، وقد شعرت بالراحة عندما استقبل مكالمة هاتفية. بعد أن انتهى من اتصاله، أخذها إلى غرفته في الفندق، بعد أن دخلوا أحضر الموظف مشروبات لهم فـأصابتها الدهشة عندما رأت الموظف الذي أحضر الشراب، هو الأحمق الذي يلاحقها، وضع المشروبات على الطاولة ونظر إليها وغمز بعينه، فأبعدت عينيها عنه لكي لا ينتبه الرئيس، نظر إليه الرئيس وأمره بالخروج.

"هل هو موظف بالفندق؟...".

سألت نفسها وهي تصب كأس شراب وتشعل سيجارة. قضت وقتا مع الرئيس ثم عادت إلى شقتها.

بعد عدة أيام طلب منها الرئيس أن تذهب معه لأنه سينهي صفقة مع عصابة ويريدها بجانبه، قبلت الذهاب معه، وبينما هي خارجة من باب الفندق اصطدم بها رجل كبير في السن حتى وقعت فانحنى عليها يساعدها ثم همس لها:

"لا تذهبي معهم ...".

رفعت نظرها لتراه فعرفته على الفور من نظرة عينه وصوته، حضر الرئيس بسرعة ليساعدها وهو كاد أن يضرب الرجل لولا أنه مسن وهم على باب الفندق، فلم يستطع، اعتذر الرجل المسن منه ودخل الفندق واختفى، بينما هي تفكر في كلامه بأن لا تذهب معهم، ماذا يقصد بذلك، وهل علم مكان ذهابهم؟....

وقفت على قديميها وكان الرئيس يمسح عنها التراب ويسألها عن حالها، فكرت قليلا ثم قررت أن تذهب، أخيرا تمكنت من إقناعه بأخذها معه، فهي تريد أن تعرف كيف تمر الصفقات، ومن المسؤولون عنها، فجماعتهم يشترون الأشخاص من عصابة أخرى، ثم يتاجرون بهم ويبيعون أعضاءهم، عليها أن تعرف مع من يتعاملون.

تقدمت إلى الأمام وهي تقول:

"أنا بخير ... لنذهب...".

ركبت السيارة بجانب الرئيس وانطلقوا في طريق طويل إلى أن وصلوا إلى مخزن كبير خارج المدينة، حيث وجدوا شاحنة كبيرة في انتظارهم. بعد توقفهم خرج بعض الأشخاص من السيارة وتقدموا جهتهم، خرج الرئيس وخرجت ساندي معه، استقبلوا الآخرين وسلموا عليهم، نظر إليها الرئيس الآخر نظرة فاحصة، وسأل الرئيس عنها فأخبره أنها رفيقته وحبيبته ويده اليمنى، عندها بدؤوا يتحدثون عن الشحنة، ثم ذهبوا جميعا لمعاينتها.

عندما فتح باب الشاحنة صدمت ساندي مما رأت، أطفال وفتيات صغيرات ...، شعرت بالدم يصعد إلى رأسها غضبا، هؤلاء الوحوش، كيف طاوعهم قلبهم استغلال هؤلاء الأطفال، لا يمكن أن تسمح بذلك، عليها أن تفعل شيء، حتى وإن كان ثمن ذلك حياتها، نظرت يمينا وشمالا وخلفها تفكر في طريقة، الشاحنة لا تحتوي على سائق.

كانوا ينهون الصفقة عندما توجهت ساندي إلى أول الشاحنة وقد قررت التصرف، ناداها الرئيس فلم تجب، قبل أن تصل سمعت صوت سيارات قادمة، فجأة امتلأ المكان برجال الشرطة وبتبادل الرصاص، ولأنها في مكان مفتوح بحثت عن مكان للاختباء، التفتت إلى الرئيس فوجدته يصرخ بها أن تسرع ناحيته، لم تتمكن من ذلك لأنها شعرت بألم في جانبها ووقعت على الأرض، كان الألم شديدا، لكنها كانت سعيدة لأن حضور الشرطة أنقد تلك الأرواح، شكرت الله كثيرا قبل أن تغيب عن الوعي.

كاد فريد أن يجن وهو يراها تسقط على الأرض وقد أصيبت، بينما هرب رجال العصابة جميعهم، ركض إليها يجري وهو يصرخ، حملها بين يديه وهي غائبة عن الوعي وركض بها إلى سيارته ثم أخذها إلى المستشفى، بقي بجانبها حتى نقلوها إلى غرفتها، وقد تجاوزت الخطر.

لقد نبهها أن لا ترافقهم، لكنها ذهبت، لقد علم بالصفقة من خلال جواسيسه، وعلم أن العصابة لن تستسلم بسهولة، لذلك خاف عليها، ولم يتركها حتى تحسنت حالتها قليلا، وكان ينتظرها أن تستيقظ.

عادت ساندي إلى وعيها على وقع خطوات قريبة منها، لم تشأ أن تفتح عينها لأنها شعرت أنها في مكان غريب، ليس منزلها، أين أنا؟... قالت ساندي وهي تتابع الخطوات بقربها، تذكرت الصفقة وضرب الرصاص، وكان مكان الرصاصة التي أصيبت بها لا يؤلمها، على كل عليها أن تعرف أين هي.

بعد أن شعرت بالخطوات قد ابتعدت وصوت باب يغلق، فتحت عينها لتجد نفسها في غرفة بمستشفى، بقيت ممدة في السرير وهي تفكر في وضعها، بعد صبر كل تلك السنين، تجد نفسها في المستشفى، لا بد أن الشرطة تحرس الغرفة، بوقوعها في يد الشرطة كل ما خططت له ضاع، ستصبح في السجن، وسيستمر مخطط العصابة.

"ربي ما العمل؟...".

أغمضت عينيها حينما سمعت باب الغرفة يفتح، اقتربت الخطوات من فراشها وشعرت بأحد يقف بجانب رأسها قبل أن يقترب من أدنها ويقول:

"يمكنك فتح عينيك الآن ...".

ترددت قليلا قبل أن تفتح عينها ثم ترفع حاجبها استغرابا، غير ممكن:

"أنت؟ حتى هنا ... ".

ابتسم وهو يجلس على كرسي قرب السرير، وقال:

"نعم أنا ... كيف حالك؟ ..."،

أجابت هي تتحسس مكان الإصابة:

"بخير ..."

وأضافت:

"هل يمكن أن أعرف من أنت؟...".

لأن وجوده بقربها في كل وقت ليس أمرا عاديا. مد يده لمصافحتها وهو يقول:

"أنا العميد فريد... "،

"من الشرطة..."،

ردت باستغراب وخيبة أمل وهي تمد يديها تصافحه، قال:

"اسمك ساندي أليس كذلك ..."،

"لقد فعلت المستحيل كي أعرف اسمك، كل من سألته يطلب مني الهروب والابتعاد... يبدو أنك مهمة جدا في منصبك ..."،

ردت بسخرية:

"لكنك لم تبتعد، حتى أنك دخلت منزلي ..."،

 ابتسم وقال:

"لا شيء يخيفني، بالعكس أحب المخاطرة ...".

قالها وهو يضغط على يدها ويقترب من وجهها، مدت يدها الأخرى وسحبت يدها من يده وهي تقول:

"إذن كان تقربك مني لأجل عملك؟ ..."،

قال:

"صحيح، أردت أن أجعلك تعملين لصالحي ..."،

انتظرت أن ينهي حديثه لكنه توقف فقالت:

"ما الذي أوقفك؟ ..."،

قال:

"عندما اقتربت منك أعجبت بك، فخفت عليك، إنه أمر خطير، لذلك راقبتك عن بعد..."،

حسنا إنه يقول الصدق، فأي مكان ذهبت إليه تجده هناك، حتى وإن لم تنظر إليه كانت تشعر بوجوده، قالت:

"وبما يفيدك مراقبتي ... فأنا لا أذهب إلى مواقع التسليم..."،

قال:

"أعرف، لكنك هذه المرة ذهبت ... رغم أنني منعتك من الذهاب..."

قال ذلك وقد علت ملامحه مسحة من الغضب، عندها تذكرت الشاحنة والناس الموجودين بها فقالت:

"الشاحنة...، هل أنقذتم الناس الموجودين بها..."

قالتها بخوف بدون أن تشعر بنفسها، رد وهو يحقق بملامحها باستغراب:

"لم نستطع ذلك...، لقد فرت الشاحنة..."،

رد وهو مازال ينظر إلى وجهها، ويرى الحزن والغضب على ملامحها، قال:

"هل يهمك أمرهم...، أليس ذلك مفرح أكثر؟...".

حاولت النهوض من الفراش وهي تدفعه لأنه حاول منعها:

"أنت لا تفهم ... لا يمكن ... لا يمكن أن يحدث ذلك ...".

قالت ذلك وهي تتذكر وجوه تلك الفتيات الصغيرات، والأطفال الصغار ...، نزلت دموع من عينيها وهي تتذكر أختها والوعد الذي أعطته لنفسها، ثم صرخت حزنا، منذ كم سنة لم تبكي وهي تخفي حزنها في قلبها، عليها أن ترحل، يجب أن تفعل شيئا....

نزلت من السرير وهي تزيل الأدوية المعلقة على يدها محاولة الخروج وهي تدفعه بيدها، أمسك بها بقوة وهو يحاول إعادتها إلى السرير، ويقول:

"اهدئي...، إنهم بخير ...إنهم بخير ...".

توقفت عن الحركة وهي تنظر إليه، فكرر كلامه:

"إنهم بخير....، تلك الفتيات الصغيرات، ومجموعة من الأطفال، لقد أنقذناهم...".

كان وجهه خاليا من التعبير، وهو يجيبها، توقفت، نظرت إليه ثم هوت على الأرض.

حملها بين يديه وهو يعيدها إلى السرير، ناد الممرضة لتعيد لها الأدوية، مسح دموعها التي كانت على وجهها، ثم جلس بجانبها والحيرة تعلو وجهه يفكر فيما حدث للتو.

استيقظت وكانت الغرفة مظلمة، أيقظتها حركة في الغرفة، نظرت بجانبها فوجدته متكئا على الحائط ينظر إليها، رأته فقط من الضوء المنبعث من النافذة، عندما رآها تفتح عينها اقترب منها، جلس بجانبها وسأل:

"هل أنت بخير ..."،

تذكرت ما حدث بينهم فأشاحت بعينها عنه وقالت:

"أنا بخير ...".

فكرت وهي تجلس على السرير، ليست مستعدة للحديث، ولا تريد أن يعرف أحد عنها شيء، قالت:

"لما لا تشعل الضوء؟ ..."،

قال:

"لا أحد يعلم أنني هنا...، جئت لأقول لكي أن جماعتك تحاول إخراجك من هنا...، ربما ينجحون اليوم أو غدا ..."،

ثم أكمل يقول:

"يبدو أن رئيسك يحبك كثيرا فهو يريد إنقاذك بسرعة...، حتى أنه تحدث إلى ممرضات وضعناهم هنا لمساعدته..."

انتظرت أن ينهي حديثه:

"لن نوقفهم...، لقد سمحنا للممرضات بمساعدته... "،

قالت:

"لكنني لن أساعدكم ... "،

قالتها حتى لا يتجرأ ويطلب منها ذلك، قال:

"لن تفعلي ... لا بد أنه سيخفيك بعض الوقت حفاظا على سلامتك ..."،

اقترب منها وهو يقول:

"أريد فقط أن أعرف أنك بخير ...الشرطة يعلمون أنك تقيمين في الفندق ... لا يعرفون شيئا عن منزلك ... إذا أمكنك أن تفتحي النافذة وقت منتصف الليل عند عودتك إلى المنزل حتى أعلم أنك بخير..."،

نظرت إليه قليلا ثم قالت:

"حسنا ..."،

ابتسم وقال:

"سعدت بلقائك...، تمنيت لو التقينا في وضع غير هذا الوضع..."،

قالها وهو يحتضن يدها بين يديه، ردت:

"شكرا لك ... وأنا أيضا ...".

ثم سحبت يدها من بين يديه وتمددت على السرير، وهي تشعر بحزن لوداعه، ربما لن تراه مرة أخرى، إنها تعلم أنها ترمي بنفسها في الجحيم، لكنه اختيارها، خرج من الغرفة بعد أن نظر في الأنحاء، ثم ساد الغرفة هدوء لا تسمع سوى دقات قلبها.
















استيقظت من نومها على صوت الممرضة وهي تقول:

"استيقظي يا آنسة...، سنذهب لإجراء بعض التحاليل...".

استيقظت ساندي وجلست على الكرسي الذي أحضرته الممرضة، ثم توجهوا إلى المصعد، نزل بهم إلى الأسفل، وكان المستشفى فارغا، ربما لأنه الفجر، لم تشرق الشمس بعد، توجهت الممرضة بها إلى قاعة تطل على أزقة، خمنت أنه باب خلفي للمستشفى، توقفت قليلا بجانب الباب، حيث أطلب برأسها على الشارع ثم عادت ودفعتها إلى الخارج حيث هناك سيارة تنتظرها، وذلك بعد أن وضعت عليها غطاء وغطتها بالكامل.

فتح باب السيارة ثم نزل منها رجلان ساعدها للصعود، ثم ركبوا وانطلقت السيارة، انتظروا حتى ابتعدوا ثم أزالوا الغطاء عنها، كانا الحارسان لديها، حيوها وفرحوا بسلامتها، ثم أخبروها أن الرئيس في انتظارها.

استقامت في جلستها واتكأت على باب السيارة تنظر من النافذة، وهي تفكر في ما ينتظرها، ثم فجأة يظهر وجه فريد أمامها، فأغلقت عينيها تمعن النظر في وجهه العالق برأسها هي تفكر في كلامه، عن كيف سيكون الوضع بينهم لو التقوا في وضع غير هذا.

توقفت السيارة فنزلت منها تتبين أين هي، إنه مكان جديد لم تحضر إليه من قبل، تبعت الحارسان اللذان أوصلاها إلى الباب ثم فتحوه إلى أن دخلت ثم أغلقوه خلفهم، لم تكد تدخل حتى هرع إليها الرئيس وهو يفتح يديه ليحضنها:

"حبيبتي... قرة عيني... كيف حالك؟ ... "،

حضنها بقوة وشوق حتى تأوهت فأبعدها عنه حيث قالت:

"إنني متعبة ..."،

قالتها وهي تستند عليه فأمسك بها وأخذها إلى المقعد لتجلس، وجلس بجانبها وهو ينظر إلى وجهها:

"ما زلت متعبة ... سيحضر الطبيب بعد قليل ..."،

لمس شعرها ثم وجهها وهو يقول:

"أنا سعيد لأنك معي ... لقد خفت كثيرا عليك ...."،

قالت:

"سأكون بخير ...".

عقد حاجبيهن وقال:

"لكن عليك أن تفسري لي... لماذا توجهت إلى مقدمة الشاحنة؟ ...".

عرفت أنه سيسأل هذا السؤال، فكانت قد جهزت الجواب سابقا:

"أجل سأخبرك...، عندما كنتم تتحدثون لمحت شخصا يبتعد، بدا مريبا لأنه كان يذهب بعيدا وهو يتحدث في الهاتف...".

"من هو؟... "،

سأل وقد علا الغضب وجهه.

فأجابت:

"لم أتمكن من معرفة ذلك... لأن الشرطة حضرت...".

فقال:

"لا بد أنه جاسوس... يجب أن أعرف من هو...".

أخذ هاتفه أجرى اتصال، وسمعته يصرخ  ويهدد.

حضر الطبيب وقام بفحصها، ثم وضع لها مصلا لأنها ضعيفة، وعالج مكان الرصاصة، وطلب أن ترتاح وتتغذى جيدا حتى تستعيد صحتها. تمددت على السرير ونامت بينما الرئيس جلس بجانبها وهو سعيد لأنها نجت. مازال يتذكر لحظة إصابتها وهي تحاول الذهاب إليه لقد كاد يجن، لو أنها ذهبت من الجهة الأخرى لما أصيبت، وأيضا لجعله ذلك يسيء الظن بها. لكنه الآن سيجعل من تسبب بأذيتها يندم على يوم ولادته. جلس بجانبها بعض الوقت ثم خرج وقد أوصى الحارسان بإحضار الطعام لها عندما تستيقظ.

تحسنت حالتها، وكان الرئيس يزورها قليلا خوفا من أن يكون مراقبا، وبعد عدة أيام طلبت منه العودة إلى منزلها، قال لها أن سيرى إن لم يكن مراقبا سيتركها تذهب، انتظرت ليومين آخرين ثم سألته فقال لها أنه لا توجد مراقبة، وأن صديقه من الشرطة أخبره أنهم لا يبحثون عنها لأنهم لا يعلمون شيئا عنها. استغربت ذلك لأن الشرطة لن تغلب في التعرف عليها، لكنها لم تعقب على كلامه، فكل ما تريده هو العودة لمنزلها فقالت:

"ربما لأنك سارعت في إخراجي قبل أن يتمكنوا من ذلك..."،

وافقها الرأي وهو يقول:                                                                                            

"لو كان بيدي ما تركتك لهم ساعة واحدة... لكنك كنت غائبة عن الوعي... ومصابة ... وداهمتنا الشرطة بسرعة... لذلك فكرت أن المستشفى أفضل لكي في ذلك الوقت ...".

ثم قال:

"ولم أستطع الراحة حتى أحضرتك بجانبي...".

قال ذلك وهو يضمها إلى صدره ويقبلها، ثم ناد الحراس وطلب منهم إيصالها إلى بيتها والاعتناء بها ثم خرج.

عادت إلى منزلها، فشعرت بشيء غير صحيح، دخلت غرفتها فلاحظت أن الأشياء متحركة من مكانها، فاكتشفت أنهم فتشوا المنزل في غيابها، لكنها لم تهتم، لأن أشياءها الخاصة لن يتمكنوا من العثور عليها. وعلمت أنها موضع شك، عليها أن تنتبه جيدا لأنها ستكون مراقبة.

ظلت اليوم بطوله تلهي نفسها بقراءة كتاب والتمدد على السرير أو اللعب في الهاتف، وهي تنتظر مرور الوقت، وعند منتصف الليل أخذت سيجارة ووقفت أمام النافذة، أشعلتها وفتحت الزجاج لتدخن وهي تبحث بعينها عن مكان وجود فريد، وهل جاء كما وعدها أم لا.

نظرت على طول الشارع ثم عادت لتنظر إلى الجهة الأخرى، حين لمحته يشعل سيجارة بجانب مبنى وهو يتقدم إلى جانب الشارع أمام الضوء حتى تتمكن من رؤيته، رفع يده كمن يشير لسيارة أجرة، لكنها تعلم أنه كان يشير لها، ليخبرها أنه رآها، شعرت بدقات قلبها تتزايد، وقبل أن تفعل أي شيء سمعت جرس الباب، عادت إلى الداخل وأغلقت النافذة، ثم فتحت الباب وكان الرئيس الذي عاد وهو سكران، ورائحة الفتيات تفوح منه، أدخلته إلى الغرفة ووضعته في السرير، جذبها إليه، فقالت له أن ينتظرها ستغتسل ثم تعود إليه، وكانت تريد أي سبب كي تبتعد عنه، وأخذت وقتا طويلا في الدش، وعند عودتها وجدته نائما، فتركته ونامت في الغرفة الأخرى.

في اليوم التالي ذهبت مع الرئيس إلى مقر المنظمة، فهي لا تريد أن تبقى في المنزل، تريد أن تنهي مهمتها، عندما وصلوا جاءه اتصال فطلب منها الذهاب معه.

شعرت بالخوف لأنها لم تعرف ما وراء هذا الاتصال، عندما وصلوا إلى مخزن خارج المدينة، كانت قد استسلمت لمصيرها وتأكدت أنها النهاية، فالرئيس لم ينطق بكلمة منذ تحركهم، وأيضا غاضب جدا.

 

دخلوا إلى المخزن فرأت رجلا مربوطا على كرسي مصاب بكدمات وجروح، يبدوا أنه تعرض للتعذيب. ثم رأت السيد ناصر الذي كان معهم في التسليم يوم إصابتها. استقبلهم ثم قال:

"منذ أن أخبرتني وأنا أبحث بالأمر... إنه الجاسوس الذي خاننا ذلك اليوم...".

نظر الرئيس إلي وهو يسأل:

"هل هذا من رأيت ذلك اليوم؟ ...".

توقفت مكانها وقد عادت لها الحياة، تنفست الصعداء، ثم تقدمت من الرجل وهي تمعن النظر إليه ثم قالت:

"يبدوا مثله... لكنني لمحته فقط، لم أتحقق منه جيدا..."،

لم تكذب، لأنها ذلك اليوم وهي تتقدم إلى مقدمة الشاحنة لمحت شخصا يبتعد مسرعا، وكان ذلك قبل مداهمة الشرطة بقليل. هل هو شرطي، أم جاسوس للشرطة.

صرخ السيد ناصر:

"إنه هو... لقد فر ذلك اليوم قبل حضور الشرطة...تأخر العثور عليه لأن بعض الرفاق قد أصيبوا...".

 لم يتردد رئيسها، فأخذ المسدس من يد الرئيس الآخر، ثم أطلق على رأسه. شعرت ساندي بالغضب الشديد، إنه لا يتردد في القتل، لقد صدمت من موت الرجل أمامها، وأيقنت أنه إن شعر بخيانتها فلن يتردد في قتلها.

عادوا إلى موقع المنظمة، ظلت اليوم بطوله صامتة تدخن سيجارة خلف الأخرى، وتراجع ملفات الصفقات وهي تفكر أن الموت قريب منها، وأن عليها أن تنهي في أسرع وقت ما بدأت، فإن ماتت على الأقل تكون قد أنجزت مهمتها.

استمرت الأيام الأخرى كذلك يأخذها معه في الاجتماعات، لكنه لا يريد أخذها في مهمات التنفيذ خوفا عليها كما يقول، وقد سمعت أنهم قاموا بشحنتين في فترة مرضها مما زاد من رغبتها في التحرك. في أيام الرئيس السابق كانت تبقى وحدها في الليل، لذلك كانت تحركاتها سهلة، أما الآن فإن حضور الرئيس إلى منزلها، هو الوقت الوحيد الذي يتركها فيه الحراس، وهو الوقت الذي عليها استغلاله.

جاء الرئيس بعد منتصف الليل، كانت قد حضرت العشاء، وهو يأتي دائما سكرانا، أصرت أن يتناول العشاء معها، لكنه رفض بحجة أنه تناول العشاء في اجتماع، وقبل أن يشرب كأسا ويجلس بجانبها وهي تأكل، وافقت وأحضرت له قنينة شراب، صبت له كأسا وجلست تتناول العشاء، ظل يشرب إلى أن انتهت من العشاء، ثم رافقته إلى السرير، بمجرد أن تمدد على السرير شعر بالنعاس فورا، وكانت هي تقبله، وتغازله حتى لا يشعر بشيء، لم يستطع أن يجاريها، حيث أغمض عينيه وغرق في نوم عميق. حاولت إيقاظه فلم يستيقظ، لقد علمت أنه لن يتناول العشاء معها، وسيفضل الشرب لذا وضعت الدواء في الشراب كعادتها، الآن لن يستيقظ حتى الصباح.

دخلت غرفتها الأخرى وأخرجت ملابسها السوداء بعد أن أخفت ملامح أنوثتها (كما تفعل دائما وهي ذاهبة للصيد كما تسميه هي)، حيث أن من يصادفها لن يعلم جنسها، ولبست ملابسها، انسحبت خارجة من المنزل، التفتت عند أول شارع واختفت بين الأزقة، وبعد عدة شوارع أوقفت سيارة أجرة، وطلبت أخدها إلى مكان وسط المدينة، نزلت من السيارة، وتمشت قليلا إلى ناصية الشارع، وقفت وأشعلت سيجارة، نظرت هنا وهناك، ورأت أن الشارع فارغ، ثم اتجهت إلى شارع ضيق والتصقت بالحائط، ثم قفزت إلى داخل المنزل، تسللت من نافذة في المطبخ كانت مفتوحة، دخلت وكان الكل نيام، فتحت باب الغرفة الأولى، اقتربت من السرير فوجدته فارغا، صدمت، سمعت خطوات صغيرة خلفها، فالتصقت بالحائط، كانت طفلة صغيرة خرجت من الحمام، وعادت إلى سريرها.

لم تفكر كثيرا، خرجت بسرعة من الغرفة، واتجهت إلى الغرفة الأخرى، التي كانت مفتوحة، دخلت فوجدت السيد ناصر، الذي منذ إحضار الشاحنة المملوءة بالفتيات الصغيرات وهي تتوعده وزاد الطين بلة عندما قتل ذلك الرجل.

انحنت عليه وضغطت على فمه ووضعت السكين على عنقه، فتح عينيه فأومأت إليه أن لا يقوم بأي حركة لأن زوجته كانت بجانبه، سحبته بهدوء إلى الخارج خلف المنزل، جعلته يركع وسألته وقد أخفت صوتها:

"من أين تحضر السلع؟..."،

سألته وهي تضغط بالسكين على عنقه، قال:

"من أنت؟...، وعن أي سلع تتحدث؟ ...أنا لا أعرف شيئا..."،

ضغطت أكثر بالسكين وقالت:

"بدون دوران، إذ لم تتحدث سأفصل رأسك عن جسدك ..."،

قالتها وهي تضغط أكثر حتى سال الدم:

"تحدث ..."،

شعر بالخوف وعرف أنه لن ينجو فقال:

"حتى إن أخبرتك سيقتلونني، فلتقتلني ..."،

"حسنا ...، لكني سأقتل طفلتك أولا ..."،

قالتها وهي تربطه على الشجرة فصرخ بها:

"سأخبرك ... إلا ابنتي ...، أرجوك سأخبرك ..."،

ثم قال:

"إنه السيد ابراهيم المجاهدي..."،

قالت:

"من السيد ابراهيم؟..."،

رد:

"إنه السيد الوزير..."،

صدمت من سماع الاسم، لا يمكن، الآن عرفت لما الشرطة لا تبحث عنها، هذا هو الشخص الذي يعتمد عليه الرئيس. قالت:

"كيف يحدث الأمر؟ ..."،

قال لها:

"إن السيد الوزير من يجمع الأطفال...، فهو يخطفهم من الشوارع أو يأخذهم من الملجأ...".

سمعت حركة خلف الصور، وضعت لاصقا على فمه، ثم ربطت يديه، وقطعت معصمه، ستجعله يموت ببطء وهو يتذكر كل الأطفال الذين قام ببيعهم.

انتقلت إلى الجهة الأخرى من الصور ثم قفزت، وعادت إلى منزلها، غيرت ملابسها وأخفتهم، استحمت، ثم عادت إلى السرير بجانب الرئيس، ونامت.


وفي الصباح ذهبت معه إلى مقر المنظمة، وانتظرت أن تسمع أخبارا عن ناصر، لكن لا شيء. استغربت عن عدم وجود أي أخبار، لو مات لانتشر الخير بينهم، ولو عاش لعلم أفراد المنظمة أن أحدا خلفهم، وكانت ستسمع شيئا، لكن عدم وجود أي خبر أقلقها.  عندما عادت إلى منزلها بحثت عن أخبار بخصوص الوزير، لم تجد أي شيء بخصوصه، سوى أنه تعلم جيدا وتخرج من مدرسة جيدة، وعمل جيدا، و... كل شيء جيد.

بعد عدة أيام حضر السيد ناصر للفندق مع أشخاص كثر، صدمت عندما رأته، يبتسم ويحيي الرئيس وينحني عليها ليقبل يدها، نظرت إلى يده فلم ترى شيئا لأنه يضع حزاما على يده:

"غير ممكن؟ ...".

قالت في نفسها وهي تبتسم له حتى لا يلحظ أي شيء، قام الآخرون أيضا بتقبيل يدها، وجلسوا بجانب الرئيس وشرعوا في محادثتهم العادية عن النساء وجمالهن، وخصوصا التفاح كما يسمونهن وهن الفتيات الصغيرات، اللاتي يستخدمونهم لأغراضهم الشخصية قبل بيعهم، ومن لا تصلح للبيع يبيعون أعضاءها.

أشعلت سيجارة حتى تهدئ من نفسها، ثم نهضت لأنها شعرت بالاختناق، سألها الرئيس:

"إلى أين؟ ..."،

قالت:

"سأذهب إلى الحمام ... ".

عاد والتفت إلى أصدقاءه، خرجت من قاعة الاحتفال، وتوجهت إلى الحمام حتى تهدئ من نفسها وكان الحراس يلحقون بها، دخلت الحمامات وكانت فارغة، ثم خرج شخص من الحمام ووضع يده على فمها وجذبها داخل الحمام، شهقت من المفاجأة، ولم يكن سوى فريد، المجنون الذي لا يخاف شيئا، طرق الحراس الباب وهم يتساءلون عن حالها، فقالت:

"أنا بخير ... لقد زلقت قدمي فقط ...".

عادوا ليقفوا على الباب، نظرت إليه قريبا منها فشعرت بدقات قلبها تتسارع، وبالحرارة تصعد على وجهها، لقد كانت في وضع سيء، لكن وجوده جعلها تنسى كل شيء.

سألها:

"كيف حالك؟... هل أنت بخير؟ ..."،

ردت عليه:

"أنا بخير ... أجل بخير...".

قالتها بتلعثم، وكأن قربه منها سلب قدرة تفكيرها، لقد اشتاقت إليه، هذا ما فكرت به وهي تنظر إليه ممسكا بها من كتفها. سمعت أحدا يدخل الحمام، ويشغل الغرفة بجانبهم، فسكتت، فاستغل الوضع وضمها إليه، لم ترغب في الابتعاد، لأن ما شعرت به جميل جدا لم يسبق لها الإحساس به، بقيت كذلك حتى فرغت الغرفة بجانبهم، حيث ابتعدت عنه وقالت:

"سأخرج الآن ... لا أريدهم أن يدخلوا للبحث عني ...".

أومأ برأسه قبل أن يجذبها إليه ويقوم بتقبيلها. مرت سحابة على عقلها منعتها من التفكير، فقط الإحساس بدفء هاته الشفاه التي التصقت بفمها، لما هي حلوة جدا؟...، قالتها وهي تحاول الإمساك بها أكثر، إنها حلوة ودافئة اممممم...، أيقظها من اللحظة طرق على الباب،

"سيدتي...".

عادت إلى الواقع فابتعدت عنه، وخرجت بسرعة من الحمام، عادت إلى مكان الحفلة وفي عقلها حفلة من نوع آخر.

 طوال السهرة، وطوال أيام أخرى وهي مازالت تشعر بدفء شفته، حتى أنها امتنعت عن تقبيل الرئيس، كي لا يلطخ شفتها بقذارته، وحتى تحافظ عليها أكبر قدر ممكن.

كانت قد سجلت كل ما قيل في السهرة، وحفظت الوجوه جيدا، وفي الأيام التالية اقتنصت عددا منهم، حيث لم يسمع عنهم في المنظمة بعد ذلك، وقيل أنهم سافروا رغم أنها قتلتهم. لم تفهم كيف يختفوا بعد موتهم، لكن مجرد اختفائهم كافي بالنسبة لها.

لم تعد إلى ناصر، لأنها أخذت المعلومة منه، وإذ عادت ربما يكون كمينا، ليست بحاجة إليه، فقد انتهى عملها معه، وظلت تفكر في طريقة للوصول إلى السيد الوزير، لم يكن هناك شيء يدل على علاقته بالمنظمة، لم تسمع يوما اسمه هناك، أو رأت أحدا من مبعوثيه. كيف ستصل إليه؟

ظلت تفكر في طريقة تتمكن منها من اصطياده متلبسا، إنه الوزير، واختفاءه ليس كباقي رجال العصابة، سيكون وقعه مدويا، لهذا عليها أن تجد عليه شيئا حتى تتأكد من كلام ناصر.

لم تكن تريد استعمال المنوم على الرئيس كثيرا، كانت تفعل ذلك مرة إلى مرتين على حسب الضرورة حتى لا ينتبه عليها، لذلك قررت هذا الأسبوع أن تستعمل ذلك للتجسس على الوزير، بحثت عن موقع منزله، وعمله، فراقبت منزله، ورأته يعود في وقت متأخر وحده بالسيارة، لا يوجد معه سائق أو مرافق، فقالت في نفسها:

"لقد ترك العمل باكرا جدا اليوم...، فأين كان حتى هذا الوقت؟...".

ثم عادت إلى منزلها.

سافر الرئيس إلى مدينة أخرى من أجل صفقة تجارية (كما يسميها)، وكان الحراس لا يفارقونها حتى تعود إلى منزلها، إذا كان الرئيس موجودا، وإذا كان مسافرا أو في منزله يظلون بجانب الباب طوال الليل، لذلك فهي سمحت لهم بالدخول لأن الجو باردا، وأن يستعملوا غرفة الضيوف، بعد أن تناولوا العشاء، أعطتهم مشروبا به منوم حتى تتمكن من الانتهاء من مهمتها، بعد أن شربوا المشروب دخلوا الغرفة ثم ناموا على الفور، انتظرت حتى تأكدت من نومهم، ثم خرجت للاطلاع على فريستها.

ظلت مترصدة أمام بيت الرئيس، لم تعرف إذا كان في الداخل أم لا، لكنها قررت الانتظار لساعات طويلة، وعندما شعرت بأنها لم تعد تستطيع الصبر على النوم، قررت العودة، عندها رأت البوابة تفتح وسيارة الرئيس تغادر المنزل، لم تصدق أولا أنه هو، ثم قررت ملاحقة السيارة فهي لن تخسر شيئا، وخصوصا أنها كانت قد قررت الرحيل.

لحقت بالسيارة حتى وصلت إلى فيلا كبيرة في مكان راقي جدا، توقفت السيارة قليلا حتى فتح باب الجراج، ثم دخلت، توقفت سيارتها بعيدا، ونظرات إلى الفيلا تبدو عادية لا يوجد بها شيء مريب، وحتى الحي هو راقي جدا، فكرت قليلا:

"ربما هو ضيف كان عند الوزير، وجاء إلى بيته ...، ولكن، لما تأخر عند الوزير حتى هذا الوقت؟ ...، وخصوصا أن في بيت الوزير لم تكن هناك حفلة ولا تجمع ولا حتى أضواء ...".

تذكرت أنها رأت الأضواء مطفأة، فلقد ظنت أنهم نيام وكانت على وشك العودة، من أين هذا الضيف، إلا إذا كان شخص من المنزل من خرج.

نزلت من السيارة، وكان الشارع مظلما، اقتربت من الفيلا وتمشت بجانب الصور لعلها تأتي بفكرة ما، كانت الفيلا هادئة، وكان ينبعث ضوء من داخلها، ذهبت إلى آخر الشارع، أشعلت سيجارة ودخنتها، ثم نظرت على طول الشارع لا يوجد أحد، ثم عادت تلتصق بالصور، وهي تنتبه إذا كانت هناك كاميرات، عجبا، لا توجد ولا كاميرا في هذا الشارع الراقي، اقتربت من الفيلا، اختفت خلف شجرة ونظرت على طول الشارع، كي لا يلاحظها أحد، تسلقت الشجرة ونظرت داخل الفيلا، كان الحارس الذي فتح الباب غير موجود، لابد أنه دخل تلك الغرفة التي في الحديقة، نزلت الصور بخفة، ومشت خلف الفيلا، فوجدت سلالم صعدتها ففتحت الباب فوجدت أمامها المطبخ وكان مظلما، ورأت الضوء قادما مع أصوات من الداخل، تقدمت بهدوء فإذا بها تفاجأ بمنظر تقشعر له الأبدان.

كان الوزير بصحبة رجلين آخرين وأمامهم أربع فتيات صغيرات بعمر 13 أو 14 سنة، يلبسون ملابس شفافة لا تخفي شيئا من مفاتنهن، يتمايلن على صوت موسيقى خافتة، ويبدون في غير وعيهن، والرئيس بصحبة الرجلين يتبادلون بهن بينهم، كل منهم يمسك واحدة يتحسسها ويقبلها ثم يتركها ليمسك بأخرى وهم يضحكون ويستمتعون.

لم تتمكن من النظر إلى ذلك الوضع، أخرجت هاتفها وبدأت في تصوير المشهد، حتى يكون دليلا، وبينما هي تصور إذ بيد توضع على فمها وتجذبها إلى زاوية مظلمة بعيدا عن مكانها، فسمعت خطوات تقترب وتضيء نور المطبخ، ففكرت أن من يمسكها فقد أنقذها لأنها لم تنتبه، بقيت على حالها فترة حتى انطفأ نور المطبخ، فأزاحت اليد التي على فمها، والتفتت لتنظر إلى منقذها، قالت:

 

"لما لم أستغرب؟ ..."،

وضع يده على فمها يسكتها، ثم سحبها خارج المطبخ، ومنه إلى خارج السور.

لحقت به إلى سيارته، بعد أن ركبت شغل السيارة وابتعد قدرا كافيا عن مكان الفيلا، ثم توقف بجانب الطريق، والتفت إليها قائلا:

"الآن أخبريني...، ما الذي تحاولين فعله؟ ...،

ردت:

"كيف وجدتني؟ ..."،

تمعن في وجهها قليلا ثم قال:

"كنت ألاحقك ..."،

 قالت:

"منذ متى؟ ..."،

فرد عليها:

"منذ المستشفى..."،

فكرت قليلا ثم سألت:

"والجثث...، هل أنت من أخفيتها؟ ..."،

أومأ برأسه:

"نعم..."،

الآن توضح الوضع، ثم سألت:

"وناصر، لما تركتموه؟ ..."،

قال:

"لحقناه، وعالجناه، إنه يعمل معنا ...".

سكتت قليلا ثم قالت:

"والوزير... لا بد أنكم تعلمون عنه... بما أن ناصر من أخبرني..."،

قال:

"كنا نراقبه... لم يكن شيء مؤكد..."،

"والآن؟..."،

سألت وهي تلمح لما رأت، فرد:

"سلميني الفيديو لأن بقاءه معك خطر عليك ... سأستشير رؤسائي..."،

سلمته الهاتف بدون تردد، لأنه متصل بجهازها وكل ما يسجل فيه ينتقل إلى الجهاز، لذلك فهي تضمن وجود نسخ عنه، ثم قالت:

"سأنتظر لأرى...".

قال لها:

"لا تعودي وحدك هنا... لقد انتبهوا عليك لأنه توجد مستشعرات حركة...، سيقومون بوضع فخاخ حتى يمسكوا بمن تجسس عليهم... لقد اختفى عدد كبير من الأعضاء حاولوا الحصول على دليل...".

ردت عليه:

"حسنا... "

ثم قال:

"أخبريني الآن لما تفعلين ذلك؟ ..."،

نظرت إليه ثم قالت:

"لأنني عاهدت نفسي على أن أقضي على المنظمة والشر الذي حولها..."،

نظرت إلى ساعتها، ثم إليه وقالت:

"يجب علي الذهاب...، فالحراس سيستيقظون قريبا ..."،

قال:

"لكن يجب علي أن أفهم سبب فعلك ذلك..."،

ردت عليه:

"غدا، لنلتقي غدا..."،

فرد:

"حسنا ...". ثم قاد السيارة عائدا إلى الشارع الذي أخذها منه، حيث ركبت سيارتها لتعود لمنزلها، حيته ورحلت.

 

عندما دخلت المنزل انتبهت على الحراس، مازالوا نائمين، ثم دخلت غرفتها، غيرت ملابسها، ودخلت الفراش لتنام، استيقظت متأخرة، تناولت فطورها، وذهبت مع الحراس إلى مقر المنظمة، عندما دخلت جلست على الكرسي، وبدأت في الاطلاع على عملها المعتاد، ثم أشعلت سيجارة وجلست تفكر في فريد، إنه فريد حقا، فهو لم يصر على سؤالها، بل سمح لها بسؤاله، وأجاب على كل أسئلتها، وهو يساعدها في كل مرة، وشعرت بالأمان لوجوده ومراقبته لها، أخيرا إنها ليست وحدها.

وفي الليل، وبعد أن نام الحراس، خرجت إلى الشارع، تمشت قليلا، ثم دخلت مع شارع ضيق، وبقيت هناك فترة حتى تتأكد من أن لا أحد يلاحقها، ثم عبرت إلى الشارع الأخر والتقطت سيارة أجرة، وتوقفت بجانب المكان الذي توقفوا به بالأمس، ولم تكد تترجل من سيارة الأجرة حتى توقفت سيارته، فركبت معه، وانطلقوا إلى مكان مرتفع يطل على أضواء المدينة، جلسوا داخل السيارة لأنه مكان آمن لا يمكن أن يراهم أحد من العصابة لأنهم متفرقون في المدينة.

فتحت زجاج النافدة ثم أشعلت سيجارة نفخت دخانها ثم شرعت في سرد قصتها، قالت:

"... كنا عائلة عادية أمي، أبي، أختي وأخي الكبير، كنت أعود من المدرسة رفقة أختي التي كانت تكبرني بخمس سنوات، أخي كان يدرس بالجامعة، بينما أختي بالإعدادي، وكنت أنا بالتعليم الأولي عندي تقريبا 8 سنوات.... في ذلك اليوم كنت عائدة من المدرسة مع أختي عندما لحقت بنا سيارة كبيرة، شعرت أختي بالخوف عندما توقفت السيارة أمامنا، لأنها ضغطت بقوة على يدي حتى صرخت من الألم، نظرت إليها فوجدتها تنظر إلى السيارة التي توقفت وقد نزل منها رجلين اتجها نحونا، بدأت أختي بالعودة إلى الوراء وكنا قد دخلنا لذلك الزقاق الذي يؤدي بنا إلى المنزل....

"... سألت أختي ما الذي يحدث لكنها لم تجبني بل أمسكت بيدي وبدأت تجري في الاتجاه الآخر وهي تصرخ، فبدأت أنا أيضا بالصراخ لكنهم أمسكوا بنا وقامت أختي بالعض والركل فأمسكا بها الرجلين معا، فصرخت بي أن أهرب ولا أتوقف حتى أصل المنزل...

"... وبالفعل ركضت لكنني لم أذهب المنزل، بل ركضت إلى الشارع الكبير واختبأت خلف سيارة متوقفة، رأيت السيارة تخرج إلى الشارع، وكانوا يخرجون رأسهم من السيارة بحثا عني، ولم يعرفوا من أي اتجاه ذهبت لذا استمروا في طريقهم، فلحقت بهم، لأن السائق كان يقود ببطء، ولأنني كنت خائفة على أختي...

"...رأيتهم يأخذون فتاة أخرى، ثم لم يبتعدوا كثيرا، وتوقفوا في زقاق قريب،  اختبأت خلف صندوق الزبالة، فرأيتهم يخرجون أختي والفتاة ويدخلونهم إلى ملهى ثم عدت أجري إلى المنزل... أخبرت عائلتي بما رأيت، ثم أخذتهم إلى المكان، لكني لم أقترب أكثر لأنني كنت خائفة..."،

"... اتصل أخي بالشرطة وأخبرهم عن عملية الخطف، حضرت الشرطة إلى المكان، فتشوا في الداخل ثم خرجوا وهم يؤكدون عدم وجود أي فتاة... صرخت بهم وأخبرتهم أنني رأيتهم يدخلون أختي هنا ... تمسكت بالشرطي ورجوته أن يجد أختي ... لكنه رفض الاستماع ... وقال لوالدي أن أختي ربما فرت..."

"... عندما عدنا إلى البيت كنت أبكي وأصرخ أن أختي هناك، أمسك بي أخي وأخبرني أنه إذا كانت هناك فسيحضرها ...  عانقت أخي وأنا أقول أحضرها أخي إنها خائفة جدا ..."

"... استمرت عائلتي في الذهاب إلى مركز الشرطة، والبحث عن أختي، وقد توقف أبي عن العمل، كما أن أخي لم يترك مكان لم يبحث به، حتى أنه كان يذهب إلى ذلك الملهى ويسأل كل من يصادفه وهو يظهر لهم صورتها، فكان الحراس هناك يطردونه... "

كانت تحكي وتنظر إلى فريد بين الحين والآخر فتراه يستمع إليها باهتمام كبير. أكملت:

"... مرضت أمي حزنا على أختي، قضت بعض الأيام بالمستشفى ثم ماتت، فلحق بها أبي بعد عدة شهور... كان أخي يهتم بي ويأخذني إلى المدرسة، ثم ينتظر حتى يعيد بي إلى المنزل، ويقضي وقتا طويلا في الخارج يقف بجانب الملهى لعله يعثر على خبر على أختي ...

"... استمرت الأيام كذلك حتى ذات يوم عاد أخي مسرعا، كنت نائمة فأيقظني وهو يقول أنه علينا الذهاب فورا... خرجنا من البيت بسرعة، اختبأنا خلف منزل قريب منا فرأيت سيارة تتوقف أمام منزلنا، نزل منها رجل دخل المنزل بعض الوقت ثم خرج... عندها رأيت النار تشتعل في المنزل ... وضع أخي يده على فمي كي لا أقوم بأي صوت... انتظر حتى ذهبوا حيث خرج الناس لإيقاف الحريق، ثم أخذني أخي إلى محطة الحافلات... انتظرنا حتى  حضرت الحافلة فركبنا إلى محطة القطار ... ثم أخذني إلى خالة لأبي تقيم بالبادية... أخبرها عن وفاة والدي وأنه سيسافر ويحتاج أن يتركني معها... وافقت الخالة ثم أخبرني أخي أن لا أقول شيئا عن أختي أو عن حريق المنزل لكي لا يصل لي أحد من العصابة... وأنه سيعود لأخذي بعد أن يستقر... وكانت تلك آخر مرة أراه فيها...".

أدمعت عيناها وهي تحكي عن أخوها حيث تذكرت حبه واهتمامه بها، لقد اشتاقت له كثيرا. رآها فريد على هذه الحالة، فأخرج منديلا ناولها إياه ثم انتظر أن تنهي حديثها:

"... خالة أبي كانت طيبة جدا اهتمت بي وبتعليمي، ولأنني لم أحضر أي ورقة تعريف لي فقد قلت أن اسمي ساندي، حصلت لي الخالة على أوراق وأدخلتني المدرسة لذلك لم يتعرف أحد علي، كما أنني لم أتحدث إلى أحد عما حدث لي... بعد أن توفيت الخالة انتظرت كثيرا عودة أخي ... وعندما لم يعد قررت الرجوع... لقد أصبحت وحيدة بسبب ما فعلوه بنا، عليهم دفع الثمن... قبل أن أعود دربت نفسي على كل شيء... الشرب، التدخين، العقاقير ... أي شيء من شأنه أن يضعفني... لذلك عدت، أول شيء فعلته ذهبت إلى ذلك الملهى، وفعلت المستحيل حتى تقربت منهم ودخلت بينهم... هذه حكايتي...".

ساد صمت بينهم أخرجت ساندي سيجارة أشعلتها ونفخت دخانها وهي تشعر براحة، إنها المرة الأولى التي تتحدث عن ما وقع لها، بعد أن احتفظت به داخلها لأزيد من ثمانية عشر سنة... لم يقل شيئا وإنها أحاطها بذراعيه وعانقها بصمت... بقيت كذلك بعض الوقت ثم قالت:

"يجب أن أذهب تأخر الوقت..."،

رد عليها وهو يبتعد عنها ثم يقبلها على جبينها:

"حسنا ...عليك أن تنتبهي على نفسك ...".

وبينما هم على الطريق أعطاها رقمه فحفظته عن ظهر قلب ولم تسجله خوفا من عثور أحد عليه... وعند عودتها غيرت ملابسها ودخلت إلى الفراش، ثم نامت على الفور... ولم تنتبه لوجود الرئيس الذي عاد ليلا ولم يجدها، واختبأ لحظة دخولها.


نهاية الجزء الأول


Comments

1 comment
Post a Comment
  1. متشوقة للتتمة رائعة

    ReplyDelete

Post a Comment

إذا كان لديك أي تعليقات لا تنسى أن تشاركها معنا.